عمالُ مصر سواعدُ الجمهورية الجديدة
د. خالد قنديل
عضو مجلس الشيوخ المصري
إذا كان عيد العمال الذي تعود أصوله إلى القرن التاسع عشر، يمثل رمزًا للكفاح والنضال والتضامن من أجل بيئة عمل عادلة وحقوق عمالية تضمن عيشًا كريمًا للعامل في عددٍ من بلاد العالم، فإن هذا العيد في مصر هو الملمح الأكثر وضوحًا لفهم قيمة العمل والأيدي العاملة عبر تاريخ طويل من الكفاح العمالي الذي توازى دائما مع نضال الدزلة في بناء أمجادها بأيدي أبنائها من الرجال الأشداء الذين عاشوا على هذه الأرض وصقلت شمسُها أجسادهم وتمدد عروقهم نابضة بدماء الوطنية وحب الوطن، فتعلموا جميع المهن واحترفوها وعملوا بيدٍ كالحجارة والأشجار وطين الأرض وحديدها.
ومن أجل هذه القيمة العُليا والسامية للعمل والعمال، صورت الفنون المصرية المختلفة بيئات العمل المتنوعة وحكاياتها الملهمة مع الكفاح، فرأينا في السينما أعمالًا مثل الأسطى حسن وباب الحديد، الأرض، للرجال فقط، الأيدي الناعمة، النمر الأسود، أبو كرتون، وفتاة المصنع، وغيرها من الأفلام والأعمال الدرامية التي صورت كفاح عمال مصر ودأبهم.
وحتى على مستوى الفنون التشكيلية، عبر التشكيليون المصريون من الرواد والمحدثين ببراعة عن براعة وكفاح المصريين في الأعمال والمهن المتباينة والضروية، منهم الفنان الكبير الراحل عبدالهادي الجزار الذي صور في لوحته "حفر قناة السويس"، التي رسمها عام 1965، موضحًا بها حجم المشاق التي كابدها المصريين الذين حفروا القناة فى الفترة من 1859 إلى 1869، وهناك لوحة "الشادوف" للفنان المصري السكندري الرائد محمود سعيد، والتي جسد من خلالها بواقعية بديعة الفلاح المصري وهو يروي الأرض بنقل الماء إلى المرتفعة من المناطق المنخفضة، وهناك رائعة الروائع لوحة "الخروج من العمل" أو "بعد يوم عمل"، للفنان حامد عويس، التي رسمها عام 1953، مصورًا خروج العمال المصريين من مصانعهم في يوم من أيام الشتاء القارسة يسيرون متجاورين بملابس العمل ومتلفحين كوفيات وأغطية الرأس.
بينما صورت التشكيلية المصرية الرائدة إنجي أفلاطون في كثير من أعمالها ولوحاتها ملامح العمال الذين يواجهون الظلم ويتمسكون بإنتاج سواعدهم حبًا في وطنهم، والكثير الكثير من النماذج الفنية التي برعت في نقل صور إبداعية كانت بمثابة التأريخ لحقب متتالية وطويلة من كفاح العمال في مصر التي عرفت منذ وقت مبكر جدا قيمة الأرض والمصنع والشركة فضمت صروحًا إنتاجية كبرى دائمًا ما كانت تُشير إلى نهضتها ومقاومتها كدولة حضارية ودولة مؤسسات تحظى بشعب عامل وأيدٍ عاملة متفانية وماهرة وقوية، وتكفي إشارة إلى أسماء بعض الصروح التي ضمتها مصر مثل النصر للسيارات، التي عادت إلى والجود بصورة زاهية وحديثة، ومثل ورمسيس للسيارات، وبسكو مصر، والحديد والصلب، وقها وإدفينا، ومصانع السكر والألمنيوم، والنيل للأدوية، وسماد أبوزعبل، ومدينة الدواء، والغزل والنسيج في دمياط وشبين الكوم والمحلة الكبرى، والغزل في بعض محافظات الصعيد، ومصانع الزيوت المهدرجة، والسجاد في دمنهور، وسماد طلخا، وطنطا للزيوت والكتان، والنيل للأقطان وتليمصر للصناعات الإلكترونية، والنصر للتليفزيون، وحلوان للصناعات الهندسية، سيماف لتصنيع عربات القطارات والمترو وترام الإسكندرية، والقائمة تطول بالنسبة لمصر التي شيدت الصروح بتلك الروح التي استمرت وبقيت نبراسًا لجسد الأمة النابض بالكرامة والعمل، وصولا إلى وقتنا الراهن الذي تشهد فيه البلاد طفرة صناعية وعملية بجميع المجالات، تلك الطفرة التي تتحرك خطوة بخطوة ويدًا بيد مع انطلاقة الجمهوية الجديدة، والتي تشق فيها طريقًا لم يكن موشى بالأزهار، وإنما طريق شاهد على بلد تسمو فوق جراحها ومشاقها والعقبات التي تواجهها وتنتصر عليها جميعا، لتشهد عبر العمل الدءوب المتواصل حركة تنمية كبرى في جميع المجالات ومشروعات عملاقة لا تخطؤها العين، لتحدث تلك النقلة النوعية التاريخية في جميع قطاعات الدولة من الصناعة، حتى شهدنا المجمعات الصناعية، بل والمدن الصناعية الكاملة، وتم تعزيز الصناعات التكنولوجية لمواكبة التطور والتحرك مع الزمن لا عكسه في عالمٍ تنافسي لا يهدأ، وتزامنت الصناعة وتشابكت وامتدت إلى العمران والطاقة والبنى التحتية والطرق وعشرات آلاف من المشروعات الجديدة، التي توزعت على كل شبر من أرض مصر.
وكانت كلمة الرئيس السيسي في احتفال عيد العمال الذي عقد بشركة السويس للصلب بمدينة السويس، وهي واحدة من الصروح الصناعيـة الجديدة، فى مدينة السويس، التي تشهد حركة تنموية ملحوظة ومهمة، عبر العديد من المشروعات التي ترسم لوحة شرف من الإرادة الصلبة والكفاح والنجاح، فكانت كلمة القائد معبرة وملهمة عن كل هذا الإرث من الكفاح والنضال العمالي، الذي امتد مع عمال مصر إلى يومهم هذا فوصفهم صادقًا بالأوفياء وقدرًا هذا العطاء التاريخي من معين الصبر والكفاح الذي لا ينضب من الجهد والعطاء لأنهم كما قال أحد أعمدة هذا الوطن فى مسيرة البناء والتقدم، مؤكدًا ما يجب أن يظل درسًا راسخًا في كتب التاريخ للأجيال ما سطره عمال مصر عبر التاريخ، من أروع صفحات البذل والعطاء، فقد شيدت سواعد أجدادهم، معالم حضارة هذه الأمة، وغرست فى أجيالها، قيم الإبداع والإتقان والتعليم.
فإلى عمال مصر الشرفاء في كل موقع نتوجه أيضًا بالتهنئة بعيدِهم، ونهنئ أنفسنا أن جعلوا من كل أيامنا عيدًا بكفاحهم الطويل المستمر غير المنقطع، حتى تحققت تلك الإنجازات العظيمة، التي تبنى بسواعدهم وعزيمتهم الراسخة، وإرادتهم التى لا تعرف المستحيل، وليظل الأمل مل قلوبنا وأرواحنا في اكتمال الصرح العظيم للجمهورية الجديدة والأمة السامقة بين الأمم.