محنة التغيير في الشخصية
الدكتور سعد معن الموسوي
ما الذي يحدث للإنسان حين يتغيّر كل ما حوله، ويبقى هو بلا خريطة؟
هل التغيير فعل خارجي فقط، أم أنه زلزال داخلي يعيد تشكيل الذات من جديد؟
لا أحد ينجو من التغيير، لكن القليل فقط من يفهم كيف يعيش معه دون أن ينكسر.
في هذا النص، لا أستعرض كتابًا بقدر ما أحاول فهم ظاهرة نعيشها جميعًا، كما صوّرها إريك هوفر بعين المُتأمل في النفس قبل المجتمع في كتابه محنة التغيير الذي نشر لأول مرة في العام ١٩٦٣ .
من موقعي كباحث مهتم ببنية المجتمعات، أجد في أطروحة هوفر مادة ثمينة للتفكير في كيفية تعامل الإنسان مع التحولات في القيم، في أنماط العيش، في تعريفه لذاته. ومع أنني أحرص على تجنب التعميم، فإن المجتمع الواعي بات يلمس بنفسه أن التغيير حين يُترك بلا أدوات مساندة، بلا عمل منتج، وبلا مشروع فردي، يتحول إلى عبء داخلي، إلى حالة إنهاك روحي ونفسي.
أُقدّر طرح هوفر حول أهمية العمل، ليس بوصفه وسيلة للرزق فقط، بل كمسار يعيد للإنسان ثقته بذاته . ……. مجتمع لا يُنمّي قيمة العمل، لا يستطيع أن يخلق ذاتًا متماسكة أمام رياح التحول. وحين يشتد التغيير، يصبح الإنسان المتقن لعمله، المندمج في مشروعه، أقل عرضة للانجراف، لأنه يملك ركيزة داخلية.
في العراق، وبالأخص بين جيل الشباب، نلاحظ وعيًا متناميًا بأهمية المبادرة الفردية، والعمل الحر، والتعلّم الذاتي، وهي مؤشرات إيجابية جدًا. هذا المجتمع لديه قدرة كامنة عالية، لكنه يحتاج إلى مساحات متجددة وداعمة لتمكين الذات، لا إلى خطاب عام يحفّز من بعيد فقط.
ما يُحزنني في كثير من القراءات المعاصرة للتغيير أنها تتعامل معه كحتمية لا كاختيار. لكن هوفر يجعلنا نرى أن التعامل مع التغيير يتطلب استباقًا، تجهيزًا نفسيًا وثقافيًا، لا مجرد رد فعل. المحنة ليست في التغيير ذاته، بل في غياب البوصلة عند وقوعه. وحين تكون المجتمعات مجهزة بالثقة والمعرفة والمبادرة، لا تعود المحنة سوى تمرين على النضج.
لا أنظر إلى كتاب هوفر ككتاب أزمة، بل كدعوة للتوازن….توازن بين الانفتاح على الجديد وبين صيانة ما هو ثابت وقيّم. وتلك مسؤوليتنا كمفكرين ومعلمين ومربين: أن لا نُغرق أبناءنا في رهبة التغيير، ولا في نشوته، بل أن نزرع فيهم القدرة على مواجهته بوعي، بلا تهويل ولا تهوين.
محنة التغيير النفسي والسلوكي والعملي ليست نهاية، بل اختبار: هل يملك الإنسان ما يكفي من الجذور ليبقى ثابتًا، وما يكفي من المرونة ليواصل السير؟ هذه هي المعادلة التي يصنع منها الأفراد المجتمعات الواعية.