صحيفة ووكالة
الإخبارية المستقلة
الخميس 2025/10/9 توقيت بغداد
معتمدة في نقابة الصحفيين العراقيين
في الحوار السياسي النبوي .. د. عبد الهادي محمود الزيدي


المشاهدات 1151
تاريخ الإضافة 2025/09/07 - 9:20 AM
آخر تحديث 2025/10/09 - 10:11 AM

في الحوار السياسي النبوي 

د. عبد الهادي محمود الزيدي

ونحن نعيش أيام المولد النبوي الشريف وجدت سطوراً كتبتها في وقت سابق في صور وآليات الحوار السياسي النبوي، وفيها وقفت على دروس لو يوظفها السياسيون لدينا اليوم لتحققت فوائد كثيرة لمجتمعنا العراقي الذي نحتاج فيه الى التعقل العميق في مجال العلاقات السياسية بين الكتل والمكونات، ومنها: إحتواء الخصم والنزول الى رأيه فيما ليس فيه خروج عن الثوابت: فلم يكن رسول الله – صلى الله عليه وسلم- يحاور أحدا ولو كان عدوا لدودا بكبرٍ وتعالٍ، بل كان ينزل له متواضعا ليتم الإفهام والتأثير الإيجابي المباشر في نفسه، مصداقا لقوله تعالى: ((فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ/ آل عمران 159)). وكان حينما يأتيه أحد المشركين ليعرض عليه التنازل أو المساومة في دعوته كان يستمع لرأيه حتى يفرغ من عرض طلباته دون كلل أو ملل ثم يقوم –صلى الله عليه وسلم- بالرد بهدوء وغالبا ما يكون رده تلاوة آيات من القرآن الكريم فيقوم الخصم من عنده وهو مشبع بسماع القرآن الكريم قد بلغته الحجة الإلهية على أحسن وجه فربما ذهب إلى قومه وهو يدافع عن رسول الله، وعن القرآن الكريم وأنه كلام رباني ليس بقول كاهن ولا مجنون ولا شاعر.

ومنها ميزة العفو والتسامح: فكان رسول الله –صلى الله عليه وسلم- يتصف عموماً بالعفو والصفح عمن أسرفوا في إيذائه وهو الخلق الكريم الذي أدبه ربه سبحانه وتعالى به حين قال له: (خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ/ الاعراف 199) وهي سمة أخلاقية لا يستطيع إنسان أن يتسم بمثلها، لأن طبيعة الإنسان عموماً لا تميل الى تغليب رأي وشخصية المقابل، خاصة حين يكون خصماً، في مواقف عدة كالحوار والمناقشة والجدال، بل تطلب في ذلك الثأر أو الانتقاص من المقابل، بل ربما يصعب على المرء التنازل عن حق الرد بالمثل لمن أساء اليه أو وقف له نداً، وقد ضرب رسول الله –صلى الله عليه وسلم- في ذلك أروع الأمثلة مع أعدائه في مشاهد لم تحدث مثلها في تاريخ البشرية ومن أشهر تلك الصور عفوه –صلى الله عليه وسلم- عن زعماء قريش من أهل مكة حين صاروا في قبضته في فتح مكة، وقد حاول هؤلاء قتله مرات عدة في مكة، قبل هجرته ثم في مواقف أخرى كما في أحد والخندق وآذوه إيذاءَ شديدا فلما قبض عليهم عفا عنهم بل وأعطاهم الجاه والمال، فأمر بأن من دخل دار أبي سفيان فهو آمن وأعطاه مع غيره من الغنائم ما أعطى البقية من السابقين.  

ونقف أيضاً مع التواضع مع محاوره: فكان- صلى الله عليه وسلم- يدرك هذه الناحية في الحوار فلم يكن يتعالى على أحد أو يرى ميزةَ لنفسه على الفقراء والمساكين وهذا سر تعلقهم به وحبهم له وسرعة دخولهم في الإسلام، لإدراك رسول الله – صلى الله عليه وسلم- أن النفوس إذا تجرَّدت من أهوائها ، حققت الكثير من النجاح في الحوار والعلاقات ؛ بل إنّ في فطرتها ما يهديها ، كما في قوله تعالى: (( فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ/ الروم: 30 )) ومنه الحديث النبوي : (( ما من مولود إلا يُولدُ على الفِطْرة ، فأبواه يُهوّدانه ، ويُنَصِّرانه ، ويُمجِّسانه ، كما تنتج البهيمة بهيمة جمعاء ، هل تُحِسّون فيها من جَدْعاء حتى أنتم تجدعونها ؟ )).

ولكي نعيش فعلاً نفحات وبركات المولد النبوي الشريف ، يجب علينا جميعاً وعلى سياسينا بشكل خاص تأمل السيرة السياسية لنبي أمتنا: القدوة، لكي نعلم ونتعلم إن الحوار من أسس بناء أي مجتمع متحضر.

 


تابعنا على
تصميم وتطوير